مؤشر البؤس الاقتصادي- قراءة في التضخم والبطالة وتأثيرهما.
المؤلف: علي محمد الحازمي11.03.2025

في الأعوام الأخيرة، واجهت دول عديدة تحديات جمة تمثلت في ارتفاع مستويات التضخم وتفاقم مشكلة البطالة، الأمر الذي أدى إلى عودة "مؤشر البؤس الاقتصادي" إلى دائرة الضوء. هذا المؤشر، الذي ابتكره الخبير الاقتصادي آرثر أوكون في ستينيات القرن العشرين، يجمع بين معدلات التضخم والبطالة لتقديم صورة شاملة عن الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الأفراد في فترة زمنية معينة. الفرضية الأساسية التي يقوم عليها هذا المؤشر هي أن الارتفاع المتزايد في معدل البطالة، بالإضافة إلى التضخم المرتفع نسبياً، لهما تأثير سلبي بالغ على الازدهار الاقتصادي.
من منظور اقتصادي، يؤدي تصاعد وتيرة التضخم المصحوب بارتفاع معدل البطالة إلى تراجع ملحوظ في الإنفاق الاستهلاكي، مما يسهم بشكل كبير في تباطؤ النمو الاقتصادي. فمع تصاعد التضخم، ترتفع تكاليف المعيشة بشكل مطرد، ومع تفشي البطالة، يتجاوز عدد متزايد من الأفراد خط الفقر، الأمر الذي يزيد من حدة المعاناة.
الحد من مؤشر البؤس يتطلب إجراءات حاسمة لخفض كل من التضخم والبطالة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إدخال تحسينات جوهرية على جانب العرض، مما يساعد على تعزيز الإنتاجية والحد من كل من البطالة الهيكلية والتضخم الجامح. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال خفض معدلات التضخم، الأمر الذي يقلل من البطالة الدورية دون التسبب في ارتفاع التضخم. يعتبر الاقتصاد السليم هو الذي يتراوح فيه مؤشر البؤس بين 6 % و7 %.
لتحقيق مستوى عالٍ من الكفاءة والفعالية، يحتاج الاقتصاد إلى مزيج متوازن من معدلات البطالة والتضخم. وهذا يعني، أنه لا بد من وجود معدل بطالة طبيعي يتراوح بين 4 % و5 %، والسبب في ذلك هو أنه عندما يكون المعدل أقل من ذلك، قد لا تجد الشركات العدد الكافي من العمال القادرين على تعظيم الإنتاج. ونتيجة لذلك، يتباطأ النمو، مما يتسبب في ارتفاع التضخم. وفي السياق نفسه، يتطلب الاقتصاد السليم وجود قدر معقول من التضخم، وتهدف البنوك المركزية إلى استهداف معدلات تضخم تبلغ حوالي 2% على أساس سنوي. تكمن المشكلة الحقيقية في أن السياسات التي تهدف إلى معالجة البطالة المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التضخم، والسياسات التي تهدف إلى معالجة التضخم المرتفع قد تؤدي بدورها إلى تفاقم البطالة، وهنا يكمن التحدي الأكبر.
